مفارقة التكلفة: لماذا أصبح الذكاء الاصطناعي المتقدم أكثر تكلفة رغم التوقعات بانخفاض أسعاره؟
كتبت :- أمل علوي

في مفارقة تعكس التحديات غير المتوقعة لثورة التكنولوجيا، أصبحت تكلفة تطوير وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة أكثر ارتفاعاً من أي وقت مضى، على عكس التوقعات السابقة التي تنبأت بانخفاض أسعار هذه التقنيات مع تقدمها وانتشارها.
لطالما ساد اعتقاد في قطاع التكنولوجيا أن تكلفة تقنيات الذكاء الاصطناعي ستنخفض بشكل مطرد مع تقدم التقنيات وزيادة الكفاءة، إلا أن الواقع يشير إلى اتجاه معاكس تماماً، حيث تتزايد التكاليف بشكل غير مسبوق، مما يهدد بتعزيز الفجوة التكنولوجية بين الشركات العملاقة والشركات الناشئة.
لماذا ارتفعت التكاليف رغم التقدم التقني؟
هناك عدة عوامل رئيسية تتضافر لدفع تكاليف الذكاء الاصطناعي إلى مستويات قياسية:
1. سباق التسلح الحسابي: أدى التنافس المحموم بين عمالقة التكنولوجيا مثل OpenAI وGoogle وAnthropic إلى تطوير نماذج أكبر وأكثر تعقيداً. هذه النماذج “الضخمة” تحتاج إلى قوة حوسبة هائلة، وكميات غير مسبوقة من البيانات للتدريب، مما يرفع التكلفة الإجمالية بشكل كبير.
2. ندرة الرقاقات المتخصصة: أدى الطلب المتصاعد على رقاقات GPU المتطورة، وخاصة تلك المصنعة من قبل NVIDIA مثل رقاقات H100، إلى ظهور اختناقات في سلسلة التوريد وارتفاع حاد في الأسعار. تعتمد مراكز البيانات الحديثة على هذه الرقاقات بشكل كامل، مما جعلها بمثابة “النفط الجديد” في صناعة الذكاء الاصطناعي.
3. تكاليف الطاقة الفلكية: تستهلك عملية تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة كمية هائلة من الطاقة الكهربائية. تشير التقديرات إلى أن تكلفة الطاقة وحدها لتطوير نموذج واحد متقدم يمكن أن تصل إلى ملايين الدولارات، ناهيك عن تكاليف التبريد الهائلة لمراكز البيانات.
4. حرب المواهب والرواتب: أدى النقص العالمي في المواهب المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي إلى ارتفاع غير مسبوق في الرواتب والمزايا التي تقدمها الشركات للاحتفاظ بأفضل الباحثين والمهندسين، مما يضيف عبئاً مالياً ضخماً على ميزانيات التطوير.
تداعيات ارتفاع التكاليف على المشهد التكنولوجي
هذا الارتفاع في التكاليف لا يمر دون عواقب، بل يعيد تشكيل المشهد التنافسي بالكامل:
تركز القوة: تزداد هيمنة عدد قليل من الشركات العملاقة التي تمتلك رأس المال الكافي لتمويل هذا السباق المكلف، مما يحد من فرص المنافسة ويخنق الابتكار خارج هذه الدائرة المغلقة.
تغير أولويات المستثمرين: بدأ المستثمرون يتحولون عن financing الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التي تركز على النماذج الأساسية الضخمة، وبدلاً من ذلك يبحثون عن تطبيقات ذكاء اصطناعي تتسم بالكفاءة وتستفيد من النماذج الحالية بدلاً من تطوير نماذج جديدة من الصفر.
التحول نحو الكفاءة: بدأت الشركات في التركيز بشكل أكبر على “الذكاء الاصطناعي الموجّه” أو TinyML، والذي يهدف إلى تحسين كفاءة النماذج الحالية وجعلها أقل استهلاكاً للطاقة وأرخص تشغيلاً، بدلاً من السعي فقط لجعلها أكبر حجماً.
المستقبل: هل هناك أمل في انخفاض التكاليف؟
رغم الصورة القاتمة الحالية، يرى الخبراء أن هذا الارتفاع في التكاليف قد يكون مرحلة مؤقتة في دورة حياة التكنولوجيا. مع نضوج التقنيات، وظهور رقاقات متخصصة أكثر كفاءة، وابتكار طرق جديدة لتحسين كفاءة الطاقة، من المتوقع أن تشهد التكاليد نوعاً من الاستقرار ثم الانخفاض على المدى المتوسط والطويل.
ومع ذلك، يبقى السؤال الأكبر: هل سيكون هذا الانخفاض في متناول الجميع، أم أن عصر الذكاء الاصطناعي سيبقى حكراً على قلّة من الشركات العملاقة؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ملامح الثورة التكنولوجية القادمة ومدى ديمقراطية وصولها.
هذا المحتوى تم باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.