“مانيتو”.. حينما نطق الحجر: رحلة شاب مصري في إعادة إحياء لغة الفراعنة بتقنية الذكاء الاصطناعي
كتب: محمد شاهين

في وقتٍ تتسابق فيه الدول والمؤسسات على توظيف التكنولوجيا في مجالات متعددة، كان لـ أحمد إيهاب أحمد الخولي، شاب مصري شغوف بالحضارة المصرية القديمة، رؤية مختلفة. حلمه لم يكن بناء تطبيق جديد أو ابتكار جهاز ذكي، بل كان حلمه أكبر من ذلك؛ أن يُعيد الحياة للغة الفراعنة، ويجعل تماثيل المعابد وأحجار المقابر تحكي قصصها من جديد، ليس لعلماء المصريات فقط، بل لكل من يمر بجوارها.
هذه الرؤية تجسدت في مشروع “مانيتو”، أول تطبيق في العالم يعتمد على الذكاء الاصطناعي لترجمة النصوص الهيروغليفية في الوقت الفعلي، مع تقديم تجربة تفاعلية للزوار باستخدام الواقع المعزز، حيث تُعيد التماثيل والكائنات القديمة إحياء قصصها أمام أعين الجمهور.
البداية من سؤال بسيط…
في إحدى زياراته للمتحف المصري بالتحرير، وقف أحمد أمام تمثال ضخم للملك أمنحتب الثاني، وعيناه تتنقلان بين النقوش والرموز التي تغطي جسد التمثال، فتساءل في داخله:
“لماذا لا أستطيع قراءة هذه اللغة مثلما أقرأ الإنجليزية أو العربية؟ لماذا لا تُتاح هذه المعرفة للجميع؟”
من هذا السؤال البسيط وُلِدَت فكرة مانيتو. أحمد لم يكن باحثًا في علم المصريات، لكنه كان يعرف جيدًا ما يمكن للتكنولوجيا فعله. جمع فريقًا من علماء المصريات، بقيادة الدكتور ميسرة عبد الله، أستاذ علم المصريات ونائب المدير التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية، وبدأ العمل على بناء قاعدة بيانات غير مسبوقة للنقوش الهيروغليفية.
رحلة التحديات والابتكار
لم تكن المهمة سهلة. البيانات كانت متناثرة، ومتعددة المصادر، وهناك اختلافات علمية في تفسير بعض الرموز. لكن أحمد وفريقه أصروا على بناء نموذج دقيق يمكنه تقديم ترجمة حقيقية ومعتمدة لكل نص، لا مجرد نصوص مترجمة بشكل آلي.
بعد أشهر من العمل، أطلقوا مانيتو، التطبيق الذي لم يترجم فقط، بل قدم تجربة واقعية تُحاكي الحياة في مصر القديمة. الزائر اليوم يستطيع أن يقف أمام تمثال الملكة إيزيس، ويوجه هاتفه إليها، فيسمع صوتًا يروي له قصتها، وكأنها نطقت بعد صمت دام آلاف السنين.
اعتراف عالمي… من المسابقة إلى المتاحف
لم يمر وقت طويل حتى لفت المشروع أنظار العالم. شارك أحمد وفريقه في مسابقة هواوي العالمية للابتكار التكنولوجي، حيث حصلوا على جائزة أفضل مشروع تقني، بالإضافة إلى منحة مالية ساعدتهم على تطوير المزيد من ميزات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز.
واليوم، أصبح مانيتو جزءًا من التجربة داخل المتحف المصري بالتحرير والمتحف المصري الكبير، مع خطط للتوسع في متاحف عالمية مثل اللوفر والمتحف البريطاني.
عندما يتحدث الحجر…
“التماثيل هنا لم تعد صامتة،” يقول أحمد وهو ينظر بفخر إلى الشاشة التي تعرض تجربة أحد الزوار وهو يتفاعل مع الترجمة الحية لنقوش تمثال آمون. “نحن لا نبيع منتجًا، نحن نعيد إحياء حضارة.”
الرؤية القادمة
تخطط مانيتو للتوسع نحو لغات قديمة أخرى، كاللاتينية والسومرية، لتكون الجسر الذي يصل الناس بالحضارات القديمة، مهما بعدت المسافة أو اختلف الزمان.
كلمة أخيرة
قصة مانيتو ليست مجرد قصة تطبيق، بل هي قصة شغف وابتكار، بدأت بسؤال بسيط، وتحولت إلى أداة ثقافية عالمية تفتح أبواب المعرفة أمام الجميع.