تقارير ومتابعات

قرار تاريخي لـ “ميكرون” يغيّر خريطة الصناعة: كيف يدفع جوع الذكاء الاصطناعي للذاكرة إلى خروج المصنّعين من سوق المستهلكين؟

كتب: محمد شاهين

0:00

 

في خطوة اعتُبرت نقطة تحول استراتيجية في اقتصاديات أشباه الموصلات العالمية، أعلنت شركة ميكرون تكنولوجي Micron Technology – أحد عمالقة الذاكرة في العالم – عن خروجها الكامل من سوق الذاكرة للمستهلكين، وإيقاف علامتها التجارية “Crucial” التي استمرت 29 عاماً بحلول فبراير 2026.

القرار، الذي تم الإعلان عنه في 3 ديسمبر 2025، يُجسّد بشكل واضح التأثير العميق للذكاء الاصطناعي على اقتصاديات الهاردوير، حيث يخلق الطلب غير المسبوق من مراكز البيانات معادلة اقتصادية جديدة تدفع المصنّعين لاختيار عملائهم بعناية.

الاقتصاديات الخلفية للقرار: جشع الذكاء الاصطناعي يلتهم العرض
فسّر سوميت سادانا، نائب الرئيس التنفيذي والرئيس التجاري في ميكرون، القرار بالقول: “النمو المُحرَّك بالذكاء الاصطناعي في مراكز البيانات أدى إلى طفرة في الطلب على الذاكرة والتخزين… اتخذنا قراراً صعباً للخروج من أعمال المستهلكين لتحسين العرض والدعم لعملائنا الاستراتيجيين الأكبر في القطاعات الأسرع نمواً”.
الترجمة العملية: مراكز البيانات التي تشغّل أحمال عمل الذكاء الاصطناعي مستعدة للدفع أضعاف ما يدفعه المستهلكون الأفراد، والسعة التصنيعية لميكرون لا يمكنها تلبية كلا السوقين معاً.

الفجوة الهائلة في الهوامش تحدد الأولويات
تعكس هذه الخطوة حقائق اقتصادية صارمة:

هيمنة الثلاثة الكبار: تتحكم ثلاث شركات كورية جنوبية وأمريكية (سامسونج بـ 43%، إس كيه هاينكس بـ 35%، ميكرون بـ 20%) في حوالي 95% من إنتاج الذاكرة الديناميكية العشوائية (DRAM) العالمي.

هوامش متضاربة: وحدات الذاكرة للمستهلكين (RAM) تتنافس في سوق تجزئة متقلبة بهامش ربح ضئيل. بينما توفر عقود المؤسسات للذاكرة عالية النطاق (HBM) المُستخدمة في مسرعات الذكاء الاصطناعي، ووحدات DDR5 لخوادم مراكز البيانات، أسعار بيع أعلى بكثير وطلبيات طويلة الأجل ويمكن التنبؤ بها.

تكلفة الفرصة البديلة: كل شريحة سيليكون تُصنَّع لمنتج استهلاكي تمثل إيرادات ضائعة من عقود مؤسسية ذات قيمة أعلى، وهو ما أصبح غير منطقي اقتصادياً مع تسارع طلب الذكاء الاصطناعي.

الأرقام تتحدث: نمو هائل مدفوع بالذكاء الاصطناعي

سجّلت ميكرون إيرادات قياسية بلغت 37.38 مليار دولار عام 2025، بنمو سنوي يقترب من 50%، مدفوعاً بشكل أساسي بتطبيقات مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي التي شكلت 56% من إجمالي الإيرادات.

ارتفعت الأسعار الفورية للذاكرة (DRAM) بنسبة 172% على أساس سنوي اعتباراً من الربع الثالث 2025.

قفزت أسعار بيع التجزئة لوحدات ذاكرة 32GB DDR5 بنسبة تتراوح بين 163% إلى 619% في الأسواق العالمية منذ سبتمبر 2025.

تداعيات على سوق المستهلك: تركّز شديد وهشاشة متزايدة
يغيّر خروج ميكرون المشهد التنافسي جذرياً:

الاعتماد على مصدرين فقط: ستضطر العلامات التجارية الطرفية (مثل Corsair وG.Skill وKingston) للتنافس بقوة على الحصص التصنيعية من سامسونج وإس كيه هاينكس فقط، وكلاهما يولي أولوية قصوى لإنتاج ذاكرة HBM لمسرعات الذكاء الاصطناعي.

ضغوط متشعبة: لم تقتصر الضغوط على ذاكرة DRAM، بل شملت أيضاً:

ارتفاع أسعار عقود شرائح تخزين NAND بأكثر من 60% (نوفمبر 2025).

نقص في ذاكرة GDDR6 للرسوميات وارتفاع أسعارها بنحو 30% بسبب التحول لإنتاج الجيل الجديد GDDR7.

زيادة أسعار الأقراص الصلبة بنسبة 5-10% بسبب محدودية العرض.

تحول هيكلي وليس مؤقت: حقبة جديدة للصناعة
يُشير خروج ميكرون إلى تحول بنيوي في الصناعة، فالطفرة في بنية تحتية الذكاء الاصطناعي تختلف جوهرياً عن التحولات التكنولوجية السابقة:

تسارع زمني غير مسبوق: يتم ضخ مئات المليارات من الدولارات في بناء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي خلال سنوات قليلة فقط، مقارنة بعقود من النمو التدريجي في عصور الحوسبة الشخصية والهواتف المحمولة.

سوق ضخم متنامٍ: من المتوقع أن ينمو سوق أشباه الموصلات لمراكز البيانات من 209 مليار دولار (2024) إلى نحو 500 مليار دولار بحلول 2030.

تطور تقني مركّز: تتجه استثمارات البحث والتطوير بالكامل نحو تطبيقات الذكاء الاصطناعي والمركبات ذاتية القيادة، مثل ذواكر HBM3E و HBM4 و LPDDR المتقدمة.

ماذا يعني ذلك للمؤسسات والمستهلكين؟

للمؤسسات: تشكل الذاكرة 10-25% من تكلفة الخوادم وأجهزة الكمبيوتر التجارية. وقد تؤدي زيادات الأسعار بنسبة 20-30% في مكونات الذاكرة إلى رفع تكاليف الأنظمة الكلية بنسبة 5-10%، مما يعني ملايين الدولارات الإضافية للمشترين بالجملة.

للمستهلكين والشركات الصغيرة: قد تواجه تقلّباً أكبر في الأسعار، ونقصاً في الإتاحة خلال فترات الذروة، وتقلصاً في الابتكار والمنافسة السعرية مع تركّز العرض لدى موردين أقل.

أسئلة حرجة للمستقبل
يطرح هذا القرار أسئلة جوهرية:

هل ستحذو سامسونج وإس كيه هاينكس حذو ميكرون وتقلصان وجودهما في سوق المستهلكين؟

كيف سيؤثر الاعتماد على مصدرين رئيسيين فقط على مرونة وسلامة سلسلة التوريد العالمية؟

هل ستؤدي الأسعار المرتفعة والمحدودة إلى اتساع الفجوة الرقمية، برفع تكلفة الحوسبة الشخصية والبنية التحتية للشركات الصغيرة؟
إن تقاعد علامة “Crucial” يرمز لنهاية عصر كان بإمكان مصنّعي الذاكرة فيه خدمة قطاعي المؤسسات والمستهلكين معاً وبربحية. اليوم، جوع الذكاء الاصطناعي للذاكرة هو المحرك المسيطر، الذي يعيد رسم أولويات الصناعة من جذورها.

هذا المحتوى تم إعداده باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

Main Heading Goes Here
Sub Heading Goes Here

No, thank you. I do not want.
100% secure your website.
Powered by
Main Heading Goes Here
Sub Heading Goes Here

No, thank you. I do not want.
100% secure your website.