مقالات الرأي

شريف الشناوي يكتب: هل يسرق الذكاء الاصطناعي الميكروفون من الإعلاميين؟

0:00

كنت وما زلت على قناعة تامة بأن الإعلام هو مرآة المجتمع، وصوت الناس، ونافذة تطل منها الحقيقة على العالم. ولكن اللافت للنظر اليوم، هو أن هذه المرآة بدأت تعكس صورة جديدة لم نألفها من قبل – صورة تكنولوجية بامتياز، حيث يلعب الذكاء الاصطناعي دور البطولة في تشكيل المشهد الإعلامي.

توقفت طويلًا أمام هذا التطور السريع، محاولًا فهم إلى أي مدى يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا أو ربما منافسًا للإنسان في صناعة الإعلام. فهل نحن أمام ثورة حقيقية تعيد رسم خريطة الصحافة والإذاعة والتلفزيون؟ أم أننا نعيش مجرد موجة عابرة من الابتكارات التقنية؟

في تقديري الشخصي، الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل تحول إلى كيان قادر على إنتاج الأخبار، تحرير النصوص، تقديم التحليلات، بل وحتى إجراء المقابلات الصحفية بطريقة مذهلة. اليوم، أصبح لدينا روبوتات صحفية مثل “جينيرايتد روبورتس” التي تكتب مقالات كاملة في ثوانٍ معدودة، ونماذج لغوية مثل ChatGPT وGemini التي تستطيع تحليل الأحداث وإنتاج محتوى يتماشى مع توجهات الجمهور.

ولكن، هل يمكن لهذه التقنيات أن تحل محل الصحفيين ومقدمي البرامج؟ هنا يجب أن نتوقف لحظة ونسأل: هل يمكن للآلة أن تفهم المشاعر الإنسانية، وأن تطرح الأسئلة الجريئة، وأن تمتلك الحس الصحفي الذي يبني علاقة ثقة مع الجمهور؟

لا شك أن الذكاء الاصطناعي قد أحدث طفرة في سرعة إنتاج الأخبار، وتقليل الأخطاء اللغوية، وتقديم تحليلات دقيقة تستند إلى كمّ هائل من البيانات. لكنه في المقابل، يفتقر إلى روح الصحفي الحقيقي – ذلك الشعور الذي يجعل المذيع يتوقف للحظات قبل أن ينطق بكلمة مؤثرة، أو الصحفي يتعمق في البحث ليكشف الستار عن حقيقة مخفية.

الأمر الذي لا جدال فيه هو أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يكون “مساعدًا ذكيًا” للإعلاميين، لكنه لا يمكن أن يكون “صانع قرار” أو “حامل رسالة” مثل الإنسان. فالصورة الصحفية لن تكون مؤثرة إلا إذا التقطها مصور يدرك قيمة اللقطة، والبرنامج الإذاعي لن ينجح إلا إذا قدمه إعلامي يعرف كيف يخاطب الجمهور بقلبه قبل لسانه.

لذا يمكنني القول إن مستقبل الإعلام لن يكون في استبدال البشر بالذكاء الاصطناعي، بل في التكامل بين الاثنين. فالإعلاميون الذين يتقنون استخدام الأدوات الذكية، سيجدون أنفسهم أكثر إنتاجية وإبداعًا، بينما من يرفضون التطور، قد يجدون أنفسهم خارج اللعبة.

الخلاصة؟ الذكاء الاصطناعي قد يكتب الأخبار، لكن لن يخلق الحدث. قد يحرر النصوص، لكنه لن ينقل الإحساس. قد يحلل البيانات، لكنه لن يحمل ضمير الصحفي الحقيقي. فالإعلام كان وسيظل فنًّا إنسانيًّا، حتى وإن استعان بالتكنولوجيا لتطوير أدواته.

في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل سنستخدم الذكاء الاصطناعي كرافعة لتطوير الإعلام، أم سنتركه ليسحب منا الميكروفون؟

زر الذهاب إلى الأعلى

Main Heading Goes Here
Sub Heading Goes Here

No, thank you. I do not want.
100% secure your website.
Main Heading Goes Here
Sub Heading Goes Here

No, thank you. I do not want.
100% secure your website.
Powered by