تقارير ومتابعات

الشرق الأوسط: وجهة ساخنة للاستثمارات التكنولوجية العالمية

كتبت: أمل علوي

0:00

 

يشهد الشرق الأوسط تدفقًا متزايدًا للاستثمارات التكنولوجية العالمية، حيث تُخصص دولٌ مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر مليارات الدولارات في صفقاتٍ ضخمةٍ مع كبرى الشركات الأمريكية، وتعمل على بناء البنية التحتية اللازمة لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق.

وليس الأمر مجرد أموال، فإن القوانين الجديدة، والنشاطات الريادية، وخطط النمو تُثير اهتمام وادي السيليكون وما وراءه.

صفقات استراتيجية تُرسّخ العلاقات التكنولوجية الأمريكية

أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال زيارةٍ للمنطقة عن اتفاقيات استثمارٍ تتجاوز قيمتها تريليوني دولار، شملت شراكاتٍ رئيسية بين دول الخليج والشركات الأمريكية في مجالات الذكاء الاصطناعي، وخدمات الحوسبة السحابية، والتكنولوجيا الدفاعية.

أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن نيتها بناء واحدة من أكبر الجامعات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي في أبو ظبي، في حين أطلقت المملكة العربية السعودية شركةً للذكاء الاصطناعي تُسمى “هُمان”. وقد أبرمت هذه الشركة، بدعم من صندوق الاستثمارات العامة، صفقاتٍ بالفعل مع إنفيديا و AMD لجلب آلاف الرقائق للاستخدام المحلي. والهدف هو تشغيل وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي داخل المملكة، مما يُقلل من الاعتماد على الخدمات الخارجية.

لا تُمثّل هذه الصفقات أحداثًا مُنفردة، بل تُشير إلى علاقاتٍ أعمق بين دول الخليج والشركات التكنولوجية الأمريكية. فدول الخليج ترغب في تعريب تطوير الذكاء الاصطناعي، بينما ترى الشركات الأمريكية المنطقة كسوقٍ متنامٍ للحوسبة السحابية، والبيانات، والرقائق. ويُتيح هذا التوافق المتزايد لكلا الطرفين ميزةً في سباقٍ عالميٍّ حيث تُعتبر السرعة والوصول عواملَ حاسمة.

دول الخليج تُعزّز بنية تحتية الذكاء الاصطناعي

تحتاج أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى قوة حوسبةٍ عالية، وهذا يعني مراكز بيانات، ورقائق، و شبكاتٍ قادرة على التعامل مع الطلبات الثقيلة والمتواصلة. وتُخصص دولٌ مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أموالاً ضخمةً لتلبية هذه الحاجة.

تخطط شركة “هُمان” السعودية لنشر أكثر من 18000 رقاقة من إنفيديا، وهي من أحدث الرقائق في السوق. وستُشغّل هذه الرقائق مجموعات تدريب تُمكّن الباحثين والشركات من بناء نماذج جديدة محلياً. وتعمل الإمارات العربية المتحدة، من خلال شراكاتٍ مع أمازون و OpenAI، على توسيع سعتها المحلية للبيانات. وستتضمن إحدى الجامعات في أبو ظبي مختبرات ذكاء اصطناعي واسعة النطاق وحواسيب عملاقة.

لا يُوفّر تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي القوية محلياً السرعة فحسب، بل يُساعد أيضاً في التحكم بالبيانات، ويُقلل التكاليف، ويُحدّ من التأخيرات. وتدرك الحكومات في المنطقة أن التحكم طويل الأمد في بنية تحتية الذكاء الاصطناعي سيُؤدي دوراً رئيسياً في التنمية الوطنية والتأثير المستقبليين.

تُشكّل هذه المشاريع جزءاً من الاستراتيجية التكنولوجية الوطنية لكل دولة. وتشمل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التكنولوجيا ضمن مجالات تركيزها. وتهدف استراتيجية الإمارات العربية المتحدة للذكاء الاصطناعي إلى أن تكون من أفضل الدول المُستعدة للذكاء الاصطناعي خلال السنوات الخمس القادمة.

النمو المُتسارع للشركات الناشئة

لا يتدفق الاستثمار فقط إلى البنية التحتية الكبيرة. فقد جمعت الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) في أبريل 2025 مبلغ 228.4 مليون دولار، أكثر من ضعف ما جمعته في مارس. وتُقود شركات التكنولوجيا المالية ومنصات الأعمال التجارية هذه الموجة.

جمعت منصة ثندر للاستثمار، ومقرها القاهرة، 15.7 مليون دولار للتوسع في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتتميز هاتان الدولتان بقاعدةٍ متناميةٍ من المُستثمرين الأفراد، ويسعيان إلى الحصول على أدواتٍ تُسهّل التداول والادخار.

يُعدّ شباب المنطقة المُلمين بالتكنولوجيا و ارتفاع معدلات استخدام الهواتف المُتحركة بيئةً مثاليةً لشركات الناشئة. وفي نفس الوقت، تستثمر الصناديق المُدعمّة حكومياً في الشركات في مراحلها المُبكرة للمساعدة في تنمية الكفاءات المحلية وتقليل الاعتماد على الخدمات المُستوردة.

كما تُنشئ الحكومات مناطقٍ أكثر ودّاً لشركات الناشئة. وتُقدّم المناطق الاقتصادية الحرة في الإمارات العربية المُتحدة ومراكز الابتكار المُخطّط لها في المملكة العربية السعودية إعفاءاتٍ ضريبية وتراخيصٍ مُبسّطة للمشاريع التكنولوجية. ويقول المُستثمرون إن الدعم التنظيمي يتحسن، و أصبح لدى المُؤسسين مساراتٍ أوضح لإطلاق مشاريعهم وتوسيع نطاقها.

توسعٌ سريعٌ في خدمات الحوسبة السحابية ومراكز البيانات

يزداد طلب خدمات الحوسبة السحابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وتُحفّز مشاريع المدن الذكية، ومنصات الحكومة الإلكترونية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي الحاجة إلى تخزين ومعالجة البيانات المحلية والآمنة.

تعهدت أوراكل باستثمار 14 مليار دولار لتوسيع بصمتها السحابية في المملكة العربية السعودية. وتستثمر جوجل و AWS ومايكروسوفت أيضاً في مراكز بياناتٍ إقليمية. وستُدعم هذه المراكز جميع القطاعات، من المصارف إلى اللوجستيات.

يُعتبر بناء خدمات الحوسبة السحابية أمراً أساسياً للحفاظ على البيانات محلياً وتسريع الخدمات الآنية. كما يُقلل من تكاليف الشركات المحلية، التي لم تعد بحاجة إلى الاعتماد على الخوادم الأجنبية. والنتيجة هي قطاع تكنولوجي متنامٍ يملك الأدوات لتقديم الخدمات لعملائه في الوقت الحقيقي.

كما تُمهّد عمليات البيانات واسعة النطاق الطريق لشركات برمجيات كخدمة (SaaS) إقليمية أكثر. مع وجود سعة سحابية، يمكن للمُطوّرين المحليين إنشاء أدوات شركات، وخدمات ذكاء اصطناعي، ومنصات تجارة إلكترونية مُصممة لتلبية الاحتياجات المحلية.

إصلاحات السياسات تُحفّز التنويع

تُرافق هذه التحركات التكنولوجية تغييراتٌ في السياسات. فالحكومات تُقلل من البيروقراطية، وتُسهّل قواعد الملكية الأجنبية، وتُقدّم إعفاءاتٍ ضريبية للمُستثمرين في قطاع التكنولوجيا. والهدف هو تقليل اعتماد المنطقة على النفط وبناء قاعدةٍ اقتصادية أوسع.

تتضمن رؤية المملكة العربية السعودية 2030 أهدافاً للبنية التحتية الرقمية، والتربية، والابتكار. وترتبط استراتيجية الإمارات العربية المُتحدة للذكاء الاصطناعي بسعيها لجذب أفضل الباحثين والهندسين. وليس هذه مجرد خططٍ على الورق، بل تُصحبها تمويلاتٌ وقوانينٌ وشراكاتٌ عالمية.

هناك أيضاً تحوّلٌ ثقافيٌّ جاري. فالتكنولوجيا تُدرّس في المدارس، والجامعات تفتح برامجٍ متخصصة في الذكاء الاصطناعي. وهذا يساعد في بناء قوة عملٍ مستقبلية قادرة على دعم الشركات المحلية وجذب الشركات الدولية.

يُلاحظ المزيد من المُستثمرين القدرة على التنبؤ و سرعة إنجاز الأعمال. وهذا أمرٌ هامٌ بشكلٍ خاص لشركات التكنولوجيا الناشئة التي تحتاج إلى ردود فعلٍ سريعة ودعمٍ مستمرٍ للتنمية. عندما تكون القواعد واضحة والموافقات سريعة، فإن الشركات أكثر ترجيحاً للبقاء.

الموازنة بين النمو والمصالح الجغرافية السياسية

مع زيادة الاستثمار في التكنولوجيا، يزداد الاهتمام. وترى الولايات المُتحدة المنطقة كوسيلة لتعزيز نفوذها التكنولوجي العالمي، خاصةً في ظلّ التوترات مع الصين. أما دول الشرق الأوسط، فإن التعاون مع الشركات الأمريكية يُتيح لها الوصول إلى الخبرة وسلاسل التوريد التي ستستغرق سنواتٍ لبنائها من الصفر.

وفي نفس الوقت، توجد مخاوف حول من يتحكم في التكنولوجيا، وأين تُخزّن البيانات، وكيف تُستخدم. وتُطالب بعض الدول بقواعد بياناتٍ تُفضّل التخزين المحلي. ويرغب آخرون في تطوير نماذج لغةٍ كبيرة خاصة بهم وإبقاء بيانات التدريب ضمن الحدود الوطنية.

بدأ بعض قادة المنطقة يتحدثون بشكلٍ أكثر انفتاحاً عن الاستقلال الرقمي. فهم يرغبون في أن يكونوا مشترين، نعم، ولكن أيضاً بناة. وهذا يعني الاستثمار في الرقائق، والبرامج، والكفاءات التي يمكنها دعم التكنولوجيا المحلية. قبل بضع سنوات، كان هذا يبدو بعيدًا. الآن، مع الدعم المناسب، يبدأ هذا الأمر في الظهور في متناول الجميع.

سيلعب التعامل مع هذه القضايا دوراً رئيسياً في المرحلة القادمة من النمو التكنولوجي في الشرق الأوسط. ترغب الحكومات في التحرك بسرعة، لكن أيضاً في الحفاظ على التحكم في الأجزاء الرئيسية من اقتصادها الرقمي.

يتغير دور الشرق الأوسط في التكنولوجيا العالمية. لم تعد المنطقة مجرد سوقٍ لأجهزة أو خدماتٍ جديدة. بل أصبحت مركزاً للبنية التحتية، وتدريب الذكاء الاصطناعي، ونمو الشركات الناشئة، وخدمات الحوسبة السحابية. وتستثمر دول المنطقة بهدفٍ واضح: بناء قوةٍ طويلة الأمد في قطاعٍ يُشكّل كيفية عمل الأعمال، والتربية، وحتى الحكومة في السنوات القادمة.

إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فلن يقتصر دور الشرق الأوسط على استقبال التكنولوجيا، بل سيساهم في تشكيلها.

هذا المحتوى تم باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

Main Heading Goes Here
Sub Heading Goes Here

No, thank you. I do not want.
100% secure your website.
Powered by
Main Heading Goes Here
Sub Heading Goes Here

No, thank you. I do not want.
100% secure your website.